خطبة يوم الجمعة بتاريخ 13/10/2023
القدس وفلسطين ستعودان
عباد الله: إن قضية فلسطين والقدس خاصة، هي قضية كل مسلم. وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، واعلموا عباد الله أن قتال اليهود وتحرير فلسطين لا ينتظر قيام الساعة. فهنالك اعتقاد خاطئ لدى الكثير من الناس، يربط تحرير فلسطين بقيام الساعة، معتمدين على حديث أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقتُلُهُمُ المُسلِمُونَ حَتَّى يَختَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسلِمُ يَا عَبدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلفِي، فَتَعَالَ فَاقتُلهُ، إِلَّا الغَرقَدَ، فَإِنَّهُ مِن شَجَرِ اليَهُودِ) هذا الحديث صحيح، ولكنه يتحدث عن الزمن الذي سينزل بها عيسى عليه السلام لقتل المسيح الدجال، فسيكون اليهود مع المسيح الدجال والمسلمون مع عيسى عليه السلام حينها ستقوم معركة كبيرة يقاتل فيها المسلمون اليهود، بالقرب من مدينة اللد، دون أن تكون لليهود دولة، حتى ينطق الشجر والحجر، لذا هنالك بون شاسع من السنين بين تحرير فلسطين، وقيام الساعة، ونزول المسيح عليه السلام، هذا الاستنتاج نستخلصه من دِقَّة التعبير القرآني في قول تعالـى بعد أحداث اليوم الآخر (عسـى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا) مما يدل على أن هنالك سنين طويلة ستلي تحرير فلسطين منهم، خلال هذه السنين القادمة يقول تعالى لليهود (إن عدتم) فيها إلى الفساد سنعود لتدميركم.
ولنبدأ القصة من أولها يقول تعالى (وَقَضَينَا إلى بَنِي إسرائيل فِي الْكِتَابِ لَتُفسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَينِ وَلَتَعلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) القضاء معناه إصدار حكم، والقاضي هو الذي يصدر الأحكام، وقضى ربك: أي أصدر حكماً، والحكم يتطلب وجود جرم يعاقب عليه القانون، ووجود من انتهك القانون، فيصدر عليه الحكم الذي نص عليه القانون. فقوله تعالى (وَقَضَينَا) استباق للحدث، وإصدار حكم من العليم الخبير بأن اليهود سيفسدون في الأرض مرتين، فصدر الحكم والقضاء سلفاً من العليم الحكيم بتدميرهم وإساءة وجوههم في المرتين، وتدمير ما علوا في الأرض من قبل عباد لنا.
والإفساد هو إخراج الشـيء عن صلاحه، أو تعطيله، والأصل أن يسعى الإنسان إلى زيادة صلاحية الأشياء، وليس العكس، وفساد بنى إسرائيل كان فساد عقيدة وفساد سلوك، فقد قتلوا الأنبياء وأشعلوا الحروب وسفكوا الدماء وأفسدوا الأخلاق والاقتصاد، والحكام، والشعوب، واستعلوا علواً كبيراً (فَإذا جَاءَ وَعدُ أُولَاهُمَا بَعَثنَا عَلَيكُم عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعدًا مَفعُولًا) هنالك خلاف بين العلمـاء والمفسـرين على زمن الوعد الأول والوعد الثاني فمنهم من قال أنه أيام جالوت، ومنهم من قال أنه أيام الأشوريين والبابليـين ونبوخذ نصـر ومنهم من قال على يد الرومانيين ومنهم من قال أن الوعد الأول حدث أيام رسول الله ﷺ والأصح منها هو: أن إخراجهم من خيبر هو تنفيذ للوعد الأول. وما نحن فيه الآن هو تنفيذ لوعد الآخرة، واليكم الأدلة:
1- قال تعالى “فإذا جاء وعد أولاهما” وهذا تعبير يتعلق بالمستقبل، وليس بالماضي وعليه فإن الوعد الأول لم يكن قد أتي قبل نزول هذه الآيات، وإنما بعدها.
2- وقوله تعالى (فإذا جاء وعد الآخرة) وهذا التعبير أيضا متعلق بالمستقبل، يأتي بعد الوعد الأول مع وجود مدّة زمنية بين الوعدين وكلمة “وعد” تحمل معنى المستقبل، فالوعد يضـرب لشيء سوف يحدث في المستقبل وليس على شيء مضـى
3- يقول تعالى “لتفسدن في الأرض مرتين” وهو قسـم، يقصـد به الدلالة على ما سوف يكون منهم مستقبلاً مما يعنى أن الوعدين لم يكن أي منهما قد حدث من قبل
4- وقوله تعالى (بعثنا عليكم عباداً لنا) لا تحتمل إلا أن يكونوا مسلمين مخلصين لله تعالى، والمحاربين الذين قاتلوا اليهود سابقاً لم يكونوا عباداً لنا، بل كانوا كافرين.
5- يقول تعالى (ليسوءا وجوهكم) من هم هؤلاء الذين سوف يسوؤن وجوه اليهود لم يذكرهم الله بالاسم لكن قراءة الآيات تدل على أن الحديث متصل مع (عباداً لنا)
6- يقول تعالى لليهود (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) أي على الذين جاسوا خلال دياركم، وهم المسلمون، ولم يعد نَبُوخَـذ نصر موجودا ولا غيره، ولم يبق إلا نحن.
7- يقول تعالى (فجاسوا خلال الديار) وهذا يعنى أن اليهود لم يكن لهم دولة في تلك الأيام وإنما كانت لهم ديار أي أقل من دولة، وعليه لم يكن الوعد الأول السبي البابلي فقد كان لليهود حين ذاك دولة، فالقرآن يتحدث عن ديارهم في خيبر.
8- يقول تعالى (ليسوء وجوهكم وليدخلوا المسجد) أي إن مكان وجود اليهود في المرة الثانية سيكون المسجد الأقصـى، وهو واقع اليهود الحالي في فلسطين اليوم.
9- يقول تعالى (كما دخلوه أول مرة) متحدثاً عن الذين سوف يسوؤن وجوه اليهود، وكل الأمم ذهبت ولم يبق إلا المسلمون، ليدخل اليهود المسجد ثانية، كما دخلوه أول مرة.